‏شجاعة وذكاء وحكمة إيران .. نقاط على الحروف

ناصر قنديل

أظهرت القيادة الايرانية شجاعة استثنائية في ردها على العدوان الأميركي الذي استهدف برنامجها النووي، رغم تأكيدات المراجع النووية والأمنية في ايران انهه عدوان لم يترك خسائر تذكر على البرنامج النووي وفي أرواح الإيرانيين، لأن مجرد قرار الرد مهما كان محسوبا ومدروسا وحذرا لجهة عدم إيقاع خسائر بشرية، هو قرار كبير ومخاطرة بالدخول في حال حرب مع دولة عظمى تملك مقدرات هائلة ويتفادى كل العالم الاصطدام معها، سواء جاءت الحرب نتيجة قرار أصلي أميركي بخوضها وكانت الضربة للبرنامج النووي مجرد افتتاحية لها، أو كانت الحرب تصاعدا تدريجيا للرد والرد على الرد، أو ثمرة نزق وغطرسة رئيس أميركي استعراضي ومزاجي ومغرور، فقد قالت إيران عبر هذا الرد انها دولة عظمى بدرجة تمسكها بسيادتها مشبعة بالشعور بالكرامة، ولا يمكن لها أن تدع عدوانا على السيادة والكرامة الوطنيتين دون رد، وهي بذلك تقدم رسالة للكثيرين، خصوصا بعد انكفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرد على الرد، رسالة جوهرها لا تساوموا على سيادتكم وكرامتكم فقد يأتيكم الفوز من حيث لا تحتسبون، وان خفتم من شيء فقعوا فيه.
بالتوازي مع الشجاعة أظهرت القيادة الايرانية حكمتها، فاختارت لترجمة الرد على الضربة الأميركية خيارا مدروسا، وهي لم تبدأ بخطوات متعددة من سلة الخطوات التي تستطيع الذهاب إليها، مثل اغلاق مضيق هرمز، الذي يتسبب بأذى كبير للاقتصاد العالمي، لكن الأذى الأكبر في هذا الاقتصاد يصيب دول الخليج واوروبا والصين والهند، بين مورد ومستورد للطاقة، بينما الذهاب فورا الى تصنيع سلاح نووي يثير تحفظات الكثير من القوى التي تساند ايران اليوم في برنامجها النووي، والحكمة في جعل الخيار الحكيم في مفارقة الذهاب الى الخيار الوحيد الناري ، اي ضرب قواعد اميركية، وخصوصا قاعدة العيديد حيث قيادة المنطقة الوسطى التي ادارت الضربة ضد إيران، لكن بطريقة تفتح الطريق الانكفاء الأميركي الذي تعزز فرص وجود رغبة بسلوكه اميركيا، متابعة المشهد الأميركي الداخلي، حيث اولوية القاعدة الانتخابية لترامب هي الداخل الأميركي الاقتصادي، وحيث لغة الحرب لا تستقطب الكثيرين باستثناء داعمي إسرائيل الذين يتراجع نفوذهم منذ طوفان الأقصى و حجم التوحش الإسرائيلي، وحيث إدارة ترامب نفسها منقسمة حول معادلة قوامها، أن الضربة سوف تورط أمريكا بحرب، وجزم الرئيس ترامب بالعكس، وطبيعة الرد الإيراني على الضربة تعطيه فرصة إثبات ذلك من خلال عدم الرد على الرد الذي يعفيه إن أراد من التورط بحرب.
مع الشجاعة والحكمة قدمت إيران ردا ذكيا، فهي ماضية في المواجهة العقابية لكيان الاحتلال و تبلي بلاء اكثر من حسن، وتكفي متابعة العروض الصاروخية التي تقدمها إيران على الهواء، وحجم الدمار غير المسبوق الذي تخلفه في مؤسسات الكيان الإستراتيجية والعسكرية والنووية، وحجم الذعر الذي تصيب به مستوطني الكيان، والأسئلة التي تطرحها حول مزاعم القوة الاسرائيلية بعيون المحللين والقادة السابقين في كيان الاحتلال، والارتباك الذي تسببت به للقيادة السياسية والعسكرية للكيان، وحيث تمضي إيران في هذه المواجهة يبدو مهما لها أن تعلم هل هي على موعد مع مفاجآت اميركية اضافية، وهل أن القرار الأميركي بمساندة كيان الاحتلال سوف يتجاوز حدود المساهمة الأميركية في استهداف البرنامج النووي الإيراني، وخير سبيل لاستكشاف عمق القرار الأميركي ليس الانتظار لمفاجأة، بل القيام بالرد المشروع على العدوان بطريقة تفتح الباب امام الرئيس الأميركي لفعل شيء أو عكسه، واظهار حقيقة نواياه، فمن لديه نية الذهاب الى الحرب سوف يكتفي بمجرد استهداف قاعدة تقيم فيها أكبر قوة لجيوشه في المنطقة وقيادة هذه الجيوش وغرفة عملياتها، ليعتبر ذلك مدخلا لمواصلة الضربات، وان قراره العميق هو عدم الذهاب الى الحرب سوف يعتبر مجرد عدم وقوع ضحايا سببا كافيا لعدم الرد على الرد، وإقفال باب المواجهة.
ما فعلته إيران عبر قرار الرد قدم صورة قيادتها كقيادة استراتيجية لدولة عظمى، ومنحها موقع صاحب المبادرة الوحيد في المنطقة، بعد الانكفاء الأميركي، حيث تدير ايران سياق وخطط ومراحل حربها مع كيان الاحتلال وترسم السقوف السياسية لشروط وقف هذه الحرب التي يبدو بنيامين نتنياهو مستعجلا لانهائها، وتؤكد ايران انها وحدها من سوف ينهي هذه الحرب التي بدأها كيان الاحتلال، وأن القيادة التي سوف تدفع ثمن هذه الحرب هي قيادة نتنياهو وليس القيادة الايرانية كما توهم نتنياهو.

(0)

الأقسام: آراء,المراسل العالمي