الطوفانُ النقديُّ اليمنيُّ: من البُندقيَّةِ إلى البنكِ… كسرُ الاحتكارِ من أجلِ تحريرِ المقدّسات

 

عدنان عبد الله الجنيد.

(من الطوفان العسكري، إلى الطوفان البحري، فالجوي… وها هو الطوفان النقديُّ اليمنيُّ يقتحمُ أسوارَ البنكِ الدولي وصندوقِ النقدِ في آنٍ واحد!)

في زمنٍ انهارت فيه عروشُ المال، وتحوّلت الثوراتُ إلى أدواتٍ في يد الرأسمالية تحت لافتة “الإصلاحات المالية”، خرج اليمنُ من تحت الركام لا يحملُ البندقيةَ فقط، بل يرفعُ في يده الأخرى عملةً وطنيةً حرّة، يواجه بها صلفَ النظام المالي العالمي، ويُشهرُ سلاحًا جديدًا في معركةٍ اقتصاديةٍ باتت لا تقلُّ ضراوةً عن المعارك العسكرية.

الطوفان النقدي… لحظة الانفجار البنكي المقاوم:

لقد توهّمت قوى الاستكبار أن اليمن، المنهك بحربٍ شعواء وحصارٍ خانق، لن يجرؤ على خوض غمار المواجهة النقدية. لكنها لم تدرك أن اليد التي فجّرت الطوفان في البحر الأحمر، هي ذاتها التي فجّرت طوفانًا نقديًا يهزُّ أركان البنك المركزي العالمي.

سنواتٌ طويلةٌ من التبعية البنكية، تحوّلت خلالها “العملةُ” إلى طوقٍ في عنقِ الشعوب، تديرها شركات الطباعة الأوروبية وفقًا لأهواء المستعمر المالي: من “خيوط الأمان” إلى “المواصفات الأمنية”، إلى أرقامٍ تسلسلية يُشرفُ عليها خبراء في واشنطن وبازل، كأن الله لم يخلق ورقًا إلا في مصانعهم، ولا أحبارًا إلا في ضواحيهم!

لكن مَن قال إنّ السيادة يجب أن تُستورد؟ ومَن منحَ صندوقَ النقد الدولي الحقَّ في فرضِ شروطه على شعوبٍ تسعى للتحرر؟!

المشروع القرآني… اقتصادٌ لا يركع

حين قرّرت صنعاء أن تُصدر عملاتٍ معدنيةً جديدة من فئتي 50 و100 ريال، وورقةً نقديةً جديدة من فئة 200 ريال، لم يكن ذلك استجابةً لعجزٍ مالي، بل إعلانًا عن فتح جبهةٍ جديدة: جبهة التحرر النقدي، وصدمةً استراتيجية في وجه النظام المالي الإمبريالي.

لقد جاء القرار في لحظةٍ حرجة، حيث تكدّس الدولار في جيوب المضاربين، وتحوّلت العملة إلى أداةِ إذلال، والريال إلى ميدان مناورة سياسيّة.

فكان الطوفان النقدي اليمنيُّ صفعةً مدويّة، لا على وجوه المضاربين فقط، بل على وجه الدولار نفسه!

التحليل المالي: قراءة في آثار “الطوفان”

1- ضخُّ السيولة وتحريرُ المعاملات اليومية

العملةُ الجديدةُ جاءت لتسدَّ النقص الحاد في السيولة الذي خنق الأسواق، ولتمكّن من تداولٍ يوميّ أكثر مرونة، بعيدًا عن سلطة المرتزقة في عدن، وبعيدًا عن العملات التالفة أو البدائل الرقمية المشبوهة.

2- كبح التضخم بتحفيز السوق المحلي

ورغم التحذيرات النظرية من التضخم الناتج عن زيادة العرض النقدي، فإن الواقع اليمني يُظهر أن ضخَّ هذه العملة يسعى لإعادة الأموال المجمدة إلى الدورة الاقتصادية الرسمية، بدل بقائها في السوق السوداء أو تحت وسادة الخوف الشعبي.

3- تحقيق السيادة النقدية وفكُّ التبعية

أقوى ما في هذه الخطوة أنها تُعيد القرار النقدي إلى صنعاء، وتنتزع زمام الطباعة من قبضة الشركات الأجنبية. الطباعة الوطنية ليست عملاً تقنيًا فقط، بل هي إعلانٌ صريحٌ بأن اليمن لم يعد جزءًا من إمبراطورية الدولار.

4- معضلة الاعتراف الخارجي

لا شك أن هذه العملات الجديدة ستواجه رفضًا في الأسواق المرتبطة بعدن أو الخارج، لكن رهانات البنك المركزي في صنعاء تراهن على عامل الوقت، والثقة الداخلية، والتداول الفعلي كأدوات لفرض الواقع النقدي الجديد.

5- نحو اقتصاد مقاوم للتحويلات والهيمنة

التأثير الأبعد قد يكون في نظام التحويلات المالية، حيث تتجه صنعاء إلى تعزيز استقلاليتها عن الشبكات المالية العالمية الخاضعة للأعداء، عبر بناء شبكات تحويل بديلة محلية أو إقليمية.

كسرُ احتكار الدولار… أولى خطوات تحرير القدس!

للدولار وظيفة أخطر من مجرد كونه عملة: هو “السلاح الصامت” للاستعمار الاقتصادي الحديث.

ولا يمكن لدولةٍ أن تحرّر أرضها وهي تشتري خبزها بدولارٍ خاضعٍ لقرار أمريكي.

إن ما فعلته صنعاء يُضاهي إطلاق الصواريخ على عسقلان، لأنه يستهدف القاعدة التي بُني عليها النظام العالمي: الربا والدولار.

فالتحرر من “هيبة الدولار” يوازي إسقاط جدار الفصل العنصري، وقطع شريان الربا العالمي يشبه إسقاط قبة حديدية تحرس النظام المالي الغربي.

من الطوفان العسكري إلى الطوفان البنكي: معركةٌ متكاملة:

المعركة واحدة، وإن تغيّرت أدواتها:

البندقية على الحدود.

الطائرة المسيّرة في البحر.

والعملة في البنك.

ثلاثيةٌ تُكمل بعضها، وتكشف أن الثورة الحقيقية لا تكتفي بتحرير الجغرافيا، بل تُعيد تشكيل السيادة من أساسها، وتنتزع القرار النقدي من براثن الاستعمار البنكي الحديث.

 

 

(0)

الأقسام: آراء,الاخبار