الخيانة التركية لفلسطين قديما وحديثا

المراسل: كتابات

 

بقلم القاضي/ علي يحيى عبدالمغني
أمين عام مجلس الشورى

خلال العقود الماضية قدمت جماعة الإخوان المسلمين الاحتلال العثماني للوطن العربي على أنه خلافة إسلامية، وأن السلطان عبدالحميد رفض التنازل عن فلسطين لليهود الصهاينة، وهذا ما تنفيه الحقائق التاريخية، فقد كانت علاقة الدولة العثمانية بالوطن العربي علاقة احتلال، هذه العلاقة كانت سبب الجهل والتخلف والفقر والمجاعة والانقسام والفرقة التي عاشتها الشعوب العربية لخمس مائة عام تقريبا، والتي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم، لا تذكر الشعوب العربية عن الخرافة العثمانية سوى نظام الجباية، والقوافل التي كانت تحمل الثروات العربية إلى اسطنبول وشعوبها في مجاعة، هذه العلاقة هي من سهلت للاستعمار الغربي السيطرة على الوطن العربي بسهولة، ففي الوقت الذي كانت تبني فيه أوربا نهضة علمية وصناعية منتصف القرن السابع عشر الميلادي كانت الدولة العثمانية تبني في الوطن العربي حمامات بخارية، لم تتحول الدولة العثمانية إلى جمهورية تركية سنة 1924م إلا بعد أن سيطرت الدول الغربية على أغلب البلاد العربية، وسلمت الوطن العربي للاستعمار الغربي تسليم مفتاح من تحت الطاولة، ولم يذكر التاريخ أن الدولة العثمانية واجهت الاحتلال الغربي في أي دولة عربية، بل أن بعض المصادر التاريخية ذكرت أن السلطان عبدالحميد نفسه هو من تنازل لليهود عن فلسطين المحتلة، فقد كانت علاقته باليهودي النمساوي هرتزل قوية، وكانت تأتيه الأموال من اليهود في اوربا بصورة دورية، مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية، تحت مسمى الحج إلى الأرضي المقدسة، وتأسيس شركات وهمية مختصة بالتنمية الزراعية، وبعد قيام الكيان الصهيوني المحتل في فلسطين اعترفت تركيا العثمانية بدولة الاحتلال الصهيوني فورا، وكانت ثاني أو ثالث دولة في العالم تعترف بالكيان الصهيوني رسميا، وسعت إلى إقامة علاقات سياسية وتجارية ودبلوماسية مع الصهاينة، لا ازالت مستمرة حتى اللحظة، وفي العام 2008م تقريبا تعرضت وبعد سيفنة مرمرة التركية التي قادها نشطاء لخرق الحصار الصهيوني المفروض على غزة لاعتداء صهيوني غاشم، فاطلق الرئيس التركي الحالي ضد الكيان الصهيوني تلك التصريحات الرنانة، التي جعلت الإخوان المسلمين في كافة الدول العربية والإسلامية يصورون اردغان على انه المخلص والمنقذ للعرب والمسلمين من اليهود المستوطنين، وعلى يديه ستتحرر فلسطين وتعود الخرافة العثمانية، وبعد أسابيع أو أشهر قليلة اكتشفت الشعوب العربية والإسلامية أن تلك التصريحات جوفاء فارغة، انتهت باعتذار الصهاينة عن هذه الحادثة، وعادت العلاقات بين النظام تركيا والكيان الصهيوني إلى سابق عهدها، بعدها قرر اردغان أن يخدم نتنياهو خدمة العمر، وان يحقق له صفقة القرن، من خلال تعهده بالقضاء على الأسد الوحيد الذي هدد الكيان الصهيوني لخمسين عاما، واستبداله بحمل وديع يولد على التطبيع، ولم يكتف الإمبراطور العثماني بهذه الخدمة التي قدمها للصهاينة، بل وقف إلى جانبهم خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وكانت الشعوب العربية والإسلامية تتوقع أن يكون هو أول المدافعين عن غزة، باعتبار غزة جماعة اخوانية، تدين له بالولاء والطاعة، إلا انه خيب ظن أهلها جميعا، وخضع لارادة الأمريكان والصهاينة، المجاعة تقتل سكان قطاع غزة، واردغان يزود الصهاينة بالخضروات والفواكه الطازجة، غزة تعرضت لابادة جماعية وتطهير عرقيوتهجير قسري والسفير الصهيوني لا زال في أنقرة، تحولت غزة إلى مقبرة جماعية وسفارة الكيان الصهيوني في تركيا لا تزال مغتوحة، حتى تلك التصريحات الفارغة التي كنا نسمعها من أنقرة بين حين واخر اختفت هذه المرة، والعجيب أن هذا الموقف ليس موقف اردغان وحده، بل موقف الجماعات والتيارات والاحزاب الإخوانية في كافة الدول العربية والإسلامية، لا شك أن هذا هو موقف جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، فمعركتهم ليست مع اليهود الصهاينة، بل مع الأنظمة العربية في المنطقة، وغايتهم هو استعادة الخرافة العثمانية، وليس الدفاع عن قطاع غزة، ومن شذ شذ في النار كما فعلت حماس في غزة، فمن اغضب الكيان فقد اغضب الإخوان، ومن اغضبهم فقد استحق النار والحصار والدمار والمجاعة، ويرون أن الأمريكان والكيان هم من يسيطرون على العالم، وإليهم يرجع الأمر كله، أما الشعوب والاحزاب والانظمة العربية فلا وزن لها ولا قيمة، بل إنهم يقولون لها جميعا لئن عادت الخرافة العثمانية ليحكمن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
صنعاء- الأربعاء 30 7 2025م .

(0)

الأقسام: آراء