المراسل : متابعات
تُشير التطورات المتسارعة والتصريحات الصهيونية الأخيرة إلى أنَّ كيان الاحتلال يمر بمرحلة تفكك بنيوي عميق، يتجاوز حدود الانقسام السياسي التقليدي، كأزمةٍ ناتجة بشكّلٍ أساسي عن الهزيمة العسكرية والسياسية والأخلاقية التي مُني بها على مدى العامين الماضيين.
هزيمةٌ اهتزت معها مرتكزات المشروع الصهيوني الخمسة، والمتمثلة بـ “الاقتلاع، التفوق العسكري، الإخضاع الإقليمي، التحالفات الدولية، والردع النووي”؛ مما أحدث تصدعًا كبيرًا في أساس المشروع ذاته، بعد أنّ كانت معركة “طوفان الأقصى” وجبهات إسنادها الفاعلة في لبنان واليمن هي العامل الحاسم الذي سرّع هذا الانهيار، وكشفت بوضوح هشاشة المنظومة التي بدّت متماسكة لزمنٍ طويل.
وفي محاولةٍ يائسة لترميم ما يمكن ترميمه من صورة الردع المفقودة، سارع رئيس وزراء كيان الاحتلال، المجرم نتنياهو، إلى إعلان نية توسيع التصعيد العسكري، مؤكّدًا تمسكه بنزعته العدوانية تجاه محور الجهاد والمقاومة والمنطقة العربية بشكلٍ عام.
وفي خطابٍ حمل طابع الاعتراف الصريح بالفشل، جاءت تصريحات نتنياهو اليوم الأحد، في جلسة حكومته لتؤكّد قوة جبهات المقاومة وتلاحمها، وفي اعترافٍ جديد بتأثير جبهة اليمن، أشار نتنياهو صراحة إلى أنَّ “اليمن مصدر تهديد كبير جدًا لـ (إسرائيل)، وسنفعل كل ما يلزم لإزالته”، في إشارةٍ واضحة إلى نوايا صهيونية مبيته لشن عدوان جديد على اليمن الأرض والإنسان.
ومحاولاً كسب التضامن الداخلي والرد على خصومه تبريرًا للفشل أمام اليمن، صرح المجرم نتنياهو بالقول: إنَّ التهديد اليمني “يبدو في البداية كتهديدٍ هامشي، يطلقون صاروخًا باليستيًا علينا من حين لآخر، نعترض الصواريخ، ويُنظر إلى الأمر كمسألة صغيرة، لكنه ليس صغيراً؛ إنّه تهديد كبير جدًا من حركةٍ متطرفة إلى أقصى حد، لديها قدرة على تصنيع صواريخ باليستية وأسلحة أخرى محليًا، وهي ملتزمة بما يسمونه خطة القضاء على (إسرائيل)”.
وأضاف أنَّ “هذا ليس أمرًا نظريًّا فحسب؛ بل يمكن أنّ يتطور مع الوقت، وهو بالطبع مدعوم من إيران، وسنفعل كل ما يلزم لإزاحة هذا التهديد أيضًا، بعبارة أخرى، نحن نعمل ضد محور، الذي رغم كسره وهزيمته، ما زال يحاول تجديد برامجه لتدمير (إسرائيل)؛ سنحرمُه بحزم من القدرة على ذلك”.
هذه التصريحات لا تُقرأ في كونها اعترافًا رسميًا بفاعلية الجبهة اليمنية وقدرتها المؤثرة والمؤلمة على كيان العدوّ، بعد أنّ فشلت كل محاولات احتوائها؛ بل تُقرأ في سياق تبرير أيّ عدوان محتمل على اليمن، وهذا التوجه يُفهم منه بوضوح على أنّه محاولة بائسة للتضييق على اليمن وثنيه عن موقفه الثابت تجاه فلسطين بعد فشل الردع العسكري، ومؤكّدًا استمرار نهج العدوان.
اليمن بدوره؛ أعلنها صراحةً ومنذ اليوم الأول لتوقيع الاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعلى لسان السيد القائد بالقول: إنَّ “اليمن سيراقب عن كثب مدى التزام العدوّ الإسرائيلي بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسيبقى في حال انتباه وجاهزية تامة ورصد كامل بدقّة وعناية تجاه تنفيذ الاتفاق لإنهاء العدوان على قطاع غزة وإدخال المساعدات”، مشدّدًا على التأكّيد “للعالم وللعدوّ الإسرائيلي ولإخوتنا في فلسطين على حضورنا المستمر وجهوزيتنا الدائمة لاستئناف عمليات الإسناد في حال عاد العدوّ لعدوانه على غزة”.
ووفقًا للمعطيات؛ فتصريحات مجرم الحرب نتنياهو تؤكّد توجه الكيان الصهيوني نحو تصعيد إقليمي واسع لا يكتفي بخرق اتفاق غزة ولبنان؛ ما يضع هذا التوجه الوسطاء والمجتمع الدولي أمام تحدٍ حقيقي لإثبات قدرتهم على كبح جماح العربدة الصهيونية التي وصلت إلى أوجّها.
وتزيد هشاشة الهدنة في غزة من احتمال اندلاع حرب شاملة ليس في القطاع فقط؛ بل تمتد إلى لبنان واليمن، خاصة وأنّ واشنطن تضغط لتحقيق أهداف العدو الإسرائيلي بالوسائل السياسية بعد فشلها عسكريًا، كـ “نزع سلاح حزب الله بالكامل لضمان التفوق الإسرائيلي، وضبط المقاومة في غزة ونزع سلاحها تدريجيًا عبر الضغط الإنساني والابتزاز”.
في المقابل؛ فإنّ العالم اعتاد الثقة العالية فيما يطرحه السيد القائد؛ لذلك أعدّ نفسه للتعامل مع ما يكشف عنه أو ينبه إليه بمحمل الجد، خصوصًا وأنَّ مواجهات العامين الماضيين مع القوات المسلحة اليمنية، كشفت بأنّ أمريكا والكيان الصهيوني تكابران ظاهريًا في التعاطي مع التنبيهات اليمنية لكنهما تعيشان هموم البحث عن حلول تحفظ لهما ماء الوجه وتتجاوزان بها آثار هذا الثبات والجدية التي يبديها اليمن قيادة وجيشًا وشعبًا في الوقفة الإسنادية مع غزة.
والصلف الإسرائيلي المستمر، المدعوم بتاريخ طويل من حرب إبادة وتدمير في غزة وعموم فلسطين واستهداف الشعب الفلسطيني واللبناني، واحتلال العدوّ مناطق سورية جديدة، ودعم التوترات في سوريا والسودان، سواءً بشكلٍ مباشر أو عبر أدواته، يفاقم الصراعات ويقضي على أيّ فرص للحلول السياسية، مبقيًا المنطقة رهينة الفوضى والعنف، واستمرار التفوق الصهيوني.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الكيان الإسرائيلي خرق الهدنة، والاحتفاظ بمواقع داخل لبنان، واستخدام القصف والابتزاز في غزة؛ فإن الدعم الأمريكي غير المشروط يغطي كل هذه الانتهاكات، وهذا الغطاء يمنحه الضوء الأخضر للمضي قدمًا في سياساته العدوانية، وما تصريحات نتنياهو اليوم، إلا محاولة منه جسّ نبض الجبهة اليمنية.
ولعل المتأمل لتأكّيد السيد القائد على مراقبة طريقة تعامل العدوّ الإسرائيلي مع الاتفاق، يعني بقاء الكيان تحت طائلة القصف وكسر الأنف؛ فاليمن أثبت فاعليته وقدرته لأنّ يكون ضامنًا مؤثرًا لتنفيذ أيّ اتفاقات سلام تعني المنطقة عمومًا، وكذلك قدرته على إعادة بناء التفاصيل في مشهد المنطقة بحيث يمكن إنهاء كذبة القوة الصهيونية والتفرد والهيمنة على المنطقة نهائيًا.
عبدالقوي السباعي
(0)




