المراسل : متابعات
أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور صادق النابلسي أنّ الأمة تقف أمام مفترق حضاري وفكري يتطلب عودة جادة إلى النصوص القرآنية وفهمٍ واعٍ لمفاهيم الجهاد والاستشهاد، محذّرًا من مخاطر الضبابية في تمييز الصديق من العدو وما تنتجه روح الاتكالية من تراجع في الإرادة.
وقال النابلسي في مداخلة خاصة على قناة المسيرة: إن “العودة إلى نصوص القرآن في غاية الأهمية، خصوصًا أن هناك من يريد أن يُسَيِّج الواقع الإسلامي ويبعده عن القرآن بشكل كامل”.
وأضاف أن مواجهة التشويش المفاهيمي الذي يطال مفاهيم الحرية والكرامة لا تكون إلا عبر “معرفة العدو ومخططاته”، موضحًا أن “حاجات الأمة الفعلية للنهوض لا يمكن على الإطلاق أن تتحقق دون معرفة العدو” وأنّ “السيادة والاستقرار والقرار الحر لا تتأتى إلا مع وعي واضح بطبيعة المخاطر المحيطة”.
وتناول النابلسي في حديثه ضرورة استنهاض الوعي العام قائلاً: “أعتقد أن ما يقوم به سماحة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي اليوم يرتبط بإعادة بناء وعي الأمة من جديد”، لافتاً إلى أن استعادة هذا الوعي مشروطة بـ”العودة إلى الذات وإلى القرآن”، محذّرًا من أن غياب هذه العوامل يجعل الأمة “غير قادرة على أن تنهض من سباتها ومن واقعها”.
وأشار النابلسي إلى أن الجهاد ليس قضية فردية ضيقة بل مرتبط “بحاجات الأمة كلّها على مستوى الأمن والاستقرار والسلام واستعادة الثروات المنهوبة وإبعاد المحتلين عن أرضنا”.
وذكّر بأن “الجهاد أحد أهم أعمدة القوة في هذه الأمة” وأنّ غيابه أو تعطّله يترك فراغًا استُغلّ تاريخيًا بأدوات عدة.
وفي صياغة مبسطة لعلاقة الدين بالسياسة قال: “مسألة الاستشهاد تقع في صلب العقيدة الإسلامية وفي صلب السياسة الحالية التي نحتاجها حتى لا تنكسر إرادة الأمة ولا تذهب كل هذه المنجزات”.
ولم يغفل النابلسي البُعد النفسي والاجتماعي للمشكلة، فرصد “واحدة من المشكلات الكبرى في بنية المجتمع العربي والإسلامي” وبيّن أنها “مسألة الاتكالية وعدم المبادرة”، مشيرًا إلى وجود “تردّد كبير” لدى شرائح واسعة من المجتمع.
وبيّن أن هذا التردّد يولّد إضعافًا في الحضور والوعي التاريخي، ويحوّل السعي إلى السلام عبر تحالفات مع قوى خارجية إلى وهم يُثقل كاهل الأمة بدل أن يمنحها رخاءً حقيقيًا.
وقال في هذا السياق: “الروح الاتكالية – أن نحصل على السلامة من خلال التحالف مع الأعداء – لا يزيد الأمة إلا وبالًا وضعفًا”.
وعن علاقة المبادرة بالإيمان والنتائج المادية، شدّد النابلسي على أن “المخاطرة محسوبة قرآنيًا ومحسوبة إيمانيًا ومحسوبة حتى على مستوى النتائج المادية”، مبيّنًا أن القرآن يقدّم منظورًا للقيمة الأخروية للمجاهد الذي يفدي من أجل الدين والهوية والأرض، وأنّ “من يفدي بروحه الدين يفوز بالآخرة وهذه العاقبة الحسنة التي وعد الله بها المجاهدين”.
وانتقد النابلسي تضخيم خطاب السلام بمعزل عن مقاربة العدوان وعلوم القوة، متسائلًا: “لماذا الولايات المتحدة الأمريكية تدفع كل هذه المليارات من أجل العنف والاحتلال؟ ولماذا يضع العدو الإسرائيلي كل إمكاناته المادية؟”.
وأضاف أن غياب استنفار حقيقي في مواجهة هذا التحدي “يُبقي الأمة في موقع الضعف” داعيًا إلى “روح المبادرة والشجاعة” وإلى أن “نحمل قرآننا بيد وسلاحنا باليد الأخرى، وبوعيٍ كبير، وبخبرات عظيمة”.
وبالعودة إلى التجربة التاريخية، ذكر النابلسي أن تراكم الخبرات وروح التضحية لدى الأولين مكنّهم من مواجهة جيوش أقوى ماديًا، وقال: “التجارب العظيمة التي خاضها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تُظهر أن القضية لا ترتبط بالموازين المادية فقط، وإنما أيضًا بالروح والإرادة”، مضيفاً أن استنهاض الروح العسكرية والأخلاقية يتطلب “التركيز على مفاهيم الجهاد التي تبث الحركة والديناميكية في واقع الأمة”.
وختم النابلسي حديثه للمسيرة، بالتأكيد على أن السؤال المركزي المطروح اليوم في مقاربة قضايا السلام والتطبيع ليس مقصورًا على وعود الرخاء الاقتصادي، بل “هل يُعيد هذا المسار للأمة كرامتها وسيادتها؟ أم أن الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، عندما يكونان عنوانًا رئيسيًا في وعي أبناء الأمة، هما السبيل لاستعادة الكرامة التي فقدناها منذ زمن طويل”.
(0)



